العدل بين الحاكم والمحكوم في الإسلام
مقدمة
العدل في الإسلام ليس مجرد قيمة أخلاقية، بل فريضة شرعية وأساس في الحكم، يُحاسب عليها الحاكم والمحكوم على حد سواء. وقد عظّم الإسلام العدل بين الناس جميعًا، حتى مع غير المسلمين، فكيف بالحاكم مع شعبه؟
قال الله تبارك وتعالى:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}
[النحل: 90].
🔷 أولًا: الحاكم خادم للأمة وليس سيدًا عليها
- الإسلام لا يجعل الحاكم طاغية فوق القانون، بل هو محكوم بشرع الله وخادم للرعية.
- قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقّ عليهم، فاشقق عليه. ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به"
[رواه مسلم].
🔶 ثانيًا: مسؤولية الحاكم في تحقيق العدل
في الإسلام، الحاكم ليس سلطانًا مستبدًا، بل راعٍ مسؤول أمام الله والناس، ومحاسب على كل صغيرة وكبيرة في حكمه. وقد حمّل الشرع الحكام أعظم الأمانات، وعلى رأسها تحقيق العدل بين الرعية، دون ميل أو محاباة. ومن أعظم مسؤولياته:
🔸1. الحكم بما أنزل الله:
لا يجوز للحاكم أن يشرّع أو يحكم بما يخالف شرع الله، فذلك ظلم صريح. قال الله تبارك وتعالى:
{وَمَن لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
[المائدة: 45].
فالحاكم العادل هو من يجعل القرآن والسنة مرجعه في القضاء والإدارة والسياسة.
🔸2. إقامة العدل بين جميع الناس:
لا يميز بين غني وفقير، أو قريب وغريب، بل يسوي بين الجميع تحت مظلة الحق. قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسًا إمام عادل"
[رواه الترمذي – حسن].
🔸3. منع الظلم وردّ الحقوق لأهلها:
الظلم سبب هلاك الأمم، والحاكم العادل يحرص على إنصاف المظلومين ورد الحقوق لأصحابها. قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
"اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"
[رواه مسلم].
🔸4. عدم التمييز بين الناس إلا بالتقوى:
الناس في الإسلام سواء، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. قال الله تبارك وتعالى:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
[الحجرات: 13].
فالحاكم لا يقرّ امتيازات النسب أو المال، بل يُكرم التقي ويقيم الوزن للعدل.
🔷 ثالثًا: حقوق المحكوم في ظل الشريعة
-
العدل القضائي
المحكوم له الحق في محاكمة عادلة ونزيهة، فلا يجوز الحكم بناءً على الظنون أو المحاباة، بل على الأدلة والحقائق.
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"
رواه البخاري. -
العدل في توزيع الثروات
لا يجوز تفضيل قوم على قوم في توزيع الموارد والثروات العامة، فكل فرد من أفراد الأمة له حق متساو في نصيبه من هذه الموارد، لضمان استقرار المجتمع ورفاهه.
(المصدر: العقيدة الإسلامية ومبادئ الحكم في الإسلام - المكتبة الشاملة). -
العدل في الوظائف والفرص
يجب أن تُمنح الوظائف والفرص بناءً على الكفاءة والجدارة، لا على أساس القرابة أو النفوذ، حتى لا يتسبب المحاباة في ظلم الآخرين وفساد الإدارة.
(المصدر: العقيدة الإسلامية ومبادئ الحكم في الإسلام - المكتبة الشاملة). -
العدل في تطبيق القوانين
لا فرق بين حاكم ومحكوم أمام القانون، فالعدالة تكون مطبقة على الجميع دون استثناء، لأن ذلك هو أساس بناء دولة قائمة على الحق والعدل.
(المصدر: العقيدة الإسلامية ومبادئ الحكم في الإسلام - المكتبة الشاملة).
🔶 رابعًا: المحكوم مسؤول عن الأمر بالعدل أيضًا
يجب على الناس نصح الحاكم إذا ظلم، وعدم الخضوع له أو السكوت على جورِه، لأن الصمت عن الظلم يسبب تفشي الفساد وانتشار الظلم في المجتمع.
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"
رواه أبو داود.
إذا صمت الناس عن ظلم الحاكم، عمّ البلاء وارتفعت نسبة الظلم، مما يؤدي إلى ضعف الدولة وتفكك المجتمع. لذا، فإن الأمر بالعدل والنهي عن المنكر على الحاكم من حقوق وواجبات المحكومين لضمان استقامة الحكم وتحقيق المصلحة العامة.
🔷 خامسًا: مقارنة بواقع بعض الدول الإسلامية
رغم أن الإسلام قد وضع نظامًا عادلًا للحكم، يقوم على المحاسبة والعدل والمساواة، إلا أن الواقع المؤلم في كثير من الدول الإسلامية اليوم يكشف عن تناقض صارخ بين المبادئ الإسلامية الراسخة والممارسات الفعلية.
في الحكم الإسلامي الصحيح، يُحاسب الحاكم إن ظلم، بل ويُعزل إن خان الأمانة. أما في واقع بعض الدول اليوم، فالحاكم فوق القانون والدستور، يُمنح هالة من القداسة، ويُمنع نقده أو محاسبته، ولو بالوسائل السلمية.
أما في توزيع المناصب والوظائف، فإن الإسلام يوجب المساواة والعدل، دون محاباة أو محسوبية، لكن ما نراه اليوم أن أهل الولاء والمقربين من السلطة هم فقط من يتولّون المناصب، بصرف النظر عن الكفاءة أو الأمانة.
وفي حين أن العدالة في الإسلام تُطبق على الجميع دون تفرقة، فإن القوانين في الواقع تُستخدم في كثير من الأحيان لقمع الضعفاء، بينما يُفلت أصحاب النفوذ من العقاب، حتى لو سرقوا المال العام أو خانوا الأمانة.
وقد علّمنا الإسلام أن الحاكم مسؤول أمام الله وأمام الناس، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة، لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة"
وقد رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/101) بسند حسن.
لكن واقع اليوم يشي بـ غياب الشفافية، وغياب الرقابة، واستبعاد أي صوت يطالب بالإصلاح أو العدالة.
لقد أثبت التاريخ أن غياب المحاسبة والعدل هو أول طريق إلى انهيار الأمم وزوال الحكم، وهو ما يجب أن يُفهم جيدًا قبل فوات الأوان.
🔶 سادسًا: أقوال العلماء في العدل ومحاسبة الحكام
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:
"العدل أساس الملك، فإذا فُقد انهدم المُلك، ولو كان الحاكم مسلمًا."
وهذا يدل على أن العدل هو الركيزة الأساسية لاستقرار الحكم ودوام الدول، وأن الحاكم مهما كانت مكانته، إذا غاب عنه العدل فسوف ينهار حكمه ويضعف نفوذ دولته.
وقال الإمام النووي رحمه الله:
"الإمام العادل من أعظم الناس أجرًا يوم القيامة، لأنه أقام الدين وحفظ الحقوق."
أي أن الحاكم العادل لا يكون فقط مسؤولًا في الدنيا، بل له أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى على قيامه بواجباته في إقامة الدين وتحقيق العدالة بين الناس.
هذان القولان يبرزان أهمية العدل في الحكم، وضرورة محاسبة الحكام على أفعالهم، حفاظًا على مصالح الأمة واستقرارها.
🔷 ضوابط المطالبة بالعدل:
🔹1. بالوسائل الشرعية: النصيحة، والإنكار السلمي:
الإصلاح لا يكون إلا بوسائل مشروعة أقرها الإسلام، في مقدمتها النصيحة بالحكمة والموعظة، والإنكار السلمي بالكلمة الواضحة دون تحريض أو تهديد، كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:«الدين النصيحة».
🔹2. بعدم نشر الفتنة:
يحذر الإسلام من إشعال الفتن بين المسلمين، سواء عبر الدعوة للفوضى أو بث الكراهية أو تقسيم الناس، فدرء الفتنة أولى من السعي غير المنضبط في الإصلاح، قال تعالى:«والفتنة أشد من القتل».
🔹3. طلب الإصلاح لا الخروج المسلح:
السعي للتغيير لا يعني حمل السلاح أو الثورة العنيفة، بل يكون بطلب الإصلاح السلمي وضبط النفس، فالإسلام لم يشرع الخروج المسلح إلا في حالات نادرة جدًا بشروط عظيمة لا تتوفر غالبًا.🔹4. التعاون مع العلماء المصلحين:
يجب أن يكون الإصلاح تحت راية العلماء الربانيين الذين يفهمون الواقع وميزان المصالح والمفاسد، فهم ورثة الأنبياء، والرجوع إليهم يحفظ الأمة من التهور والانقسام.🌐 مقارنة بين محاسبة الحكام في الإسلام والواقع الحالي
🔺1. مفهوم المحاسبة في الإسلام
الحاكم في الإسلام أمين ومسؤول أمام الله وأمام الأمة، كما ورد في قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" [البخاري].
المحاسبة تتم عبر العدل والحق، ومن واجب الناس نصح الحاكم بالتي هي أحسن، كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" [أبو داود].
ويُرفض الظلم والفساد على كل المستويات، ويجب أن يكون القضاء مستقلاً للفصل بين الحاكم والمحكوم، وفقًا لما نص عليه القرآن الكريم قال الله تبارك وتعالى:
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47]
(المصدر).
وقد أكد العلماء مثل ابن تيمية على ضرورة إنكار ظلم السلطان بالطرق الشرعية، وقال:
"السلطان إذا ظلم وجب إنكار ظلمه بالشرع، لا بالفتنة والسلاح".
🔺2. الواقع الحالي في كثير من الدول الإسلامية
كثير من الحكام يتمتعون بسلطة شبه مطلقة أو استبدادية، ولا يخضعون لمحاسبة حقيقية. نظام المحاسبة غائب أو ضعيف، وأحيانًا القضاء غير مستقل.
الظلم والفساد منتشر في بعض الأنظمة، ولا يُسمح بمعارضة فعلية أو نصح صريح، مما يخالف ما أمر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
حقوق الناس في بعض الأماكن مقيدة، والفرص غير متساوية، ويخاف الناس من نصح الحاكم خشية العقاب أو القمع، مما يزيد من ظاهرة الخنوع والسكوت على الظلم.
🔺3. آثار هذا الواقع
- ضعف الثقة في المؤسسات الحكومية والعدلية.
- انتشار الفساد وتفشي الظلم الاجتماعي والاقتصادي.
- غياب العدالة يسبب اضطرابات واضطرار الناس للجوء لوسائل غير شرعية للمطالبة بحقوقهم.
- ضعف الالتزام بالدين الذي يحث على العدل والمحاسبة.
خلاصة
رغم وضوح مبادئ المحاسبة والعدل في الإسلام، إلا أن الواقع الحالي يشهد انحرافًا في تطبيقها، مما يسبب معاناة المجتمعات الإسلامية. لذلك، فإن استلهام نهج الخلفاء الراشدين في العدل والمحاسبة الحقة هو ضرورة ملحة للنهضة والازدهار.
🌐 روابط مصادر موثوقة:
🔺ختامًا: تبرّع لأهل غزة وكن سببًا في نجاتهم
قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" [رواه البخاري].
يمكنك التبرع عبر الروابط التالية الموثوقة:
رابط 1 – رابط 2 – رابط 3 – رابط 4
(اطلع على القائمة الكاملة هنا)
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك و أي استفسارات لتعم الفائدة