حرية التعبير في الإسلام: بين الضوابط الشرعية والواقع الحالي

مقدمة

كثيرون يظنون أن الإسلام يُقيّد حرية التعبير، أو يمنع النقد والمعارضة، لكن الحقيقة أن الإسلام أرسى قواعد متينة لهذه الحرية، مع ضبطها بالأخلاق والعدل، لتكون بنّاءة لا هدامة، محرّكة للحق لا مثيرة للفتن.


أولًا: تعريف حرية التعبير في الإسلام

حرية التعبير في الإسلام هي:
القدرة على قول الحق ونشره، والدعوة إليه، وانتقاد الباطل والظلم، دون كذب أو إساءة أو تعدٍ على الثوابت الشرعية.

قال الله تبارك وتعالى:
"وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ"
[المائدة: 8]


ثانيًا: نماذج من حرية التعبير في الإسلام

1. النصح لولاة الأمر

قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"الدين النصيحة"
قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال:
"لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم"
(رواه مسلم)

  • الصحابة كانوا يراجعون النبي علنًا ويستفسرون منه.
  • عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال على المنبر:
    "إن رأيتم فيّ اعوجاجًا فقوموني"
    فقال أحد الناس: "والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقوّمناه بسيوفنا".

2. حرية التعلُّم والتعليم

  • كان العلماء يختلفون ويُناقشون بدون قمع.
  • اختلاف الفقهاء دليل على سعة الأفق واحترام الرأي الآخر.

3. حق الدفاع عن المظلوم

قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
"انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"
قالوا: كيف أنصره ظالماً؟ قال:
"تأخذ فوق يده"
(رواه البخاري)



ثالثًا: ضوابط حرية التعبير في الإسلام

حرية التعبير في الإسلام لا تعني مطلق القول، بل هي مقيدة بضوابط تحمي المجتمع وتحفظ قدسية الدين وكرامة الناس، ومن أهم هذه الضوابط:

  • عدم الطعن في الدين
    لا يجوز لأي مسلم أن يسبّ الله تبارك وتعالى، أو رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أو يُقلل من شأن القرآن الكريم. قال الله تبارك وتعالى:
    {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32]، فالتعظيم والتوقير واجبان.

  • البعد عن الكذب والشائعات
    لا حرية في نشر الأكاذيب أو الإشاعات التي تفسد الأمانة وتوقع الضرر، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
    "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع." [رواه مسلم]، فالمسلم مسؤول عن كلامه.

  • عدم إثارة الفتنة
    حريتك في التعبير تنتهي حيث تبدأ الفتنة التي تزرع الفساد وتُحدث الفرقة بين الناس، قال الله تبارك وتعالى:
    {وَلا تَفْسُدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56].

  • النية الصادقة
    يجب أن يكون التعبير طالبًا للحق والعدل، لا وسيلة للشهرة أو إثارة الفوضى، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
    "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى." [رواه البخاري ومسلم].

  • الاحترام عند الخلاف
    رغم اختلاف الآراء، يجب الابتعاد عن السباب والشتم والقذف، فالله تبارك وتعالى يقول:
    {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم قال:
    "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء." [رواه الترمذي].



رابعًا: مقارنة بالواقع الحالي في الدول الإسلامية

  • ما شرعه الإسلام:
    انتقاد الحاكم جائز إذا كان بالحق والعدل، وذلك لإصلاح الأمر ونصرة المظلومين، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
    "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان." [رواه مسلم].

  • ما يحدث حالياً:
    في كثير من الدول الإسلامية، يُعد انتقاد الحاكم خيانة ويُعاقب عليها بالسجن أو حتى القتل، مما يُسكت صوت الحق ويُعيق الإصلاح.

  • ما شرعه الإسلام:
    نصح العلماء للسلطان علنًا جائز وواجب إذا كان لمصلحة الأمة، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
    "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية." [رواه أحمد].

  • ما يحدث حالياً:
    في الواقع، يُسكت علماء السوء صوت الحق ويتبعون السلطة، مما يؤدي إلى تفشي الظلم والفساد.

  • ما شرعه الإسلام:
    الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية حق مشروع وجائز في حدود الشرع.

  • ما يحدث حالياً:
    تُعد الدعوة إلى تطبيق الشريعة في بعض الأماكن تطرفًا، ويتعرض الدعاة للملاحقة والمضايقة.

  • ما شرعه الإسلام:
    الصحافة والنقد البناء مباحان، ويُشجع الإسلام على بيان الحق والنصح بالحكمة.

  • ما يحدث حالياً:
    الإعلام في كثير من الأحيان موجّه ومسيطر عليه، ولا يُسمح إلا بصوت الحاكم أو من يؤيده، مما يحجب الحقيقة عن الناس.


خامسًا: موقف المسلم من تقييد حرية التعبير

1. أن يُنكر تكميم الأفواه:

حرية التعبير عن الحق لا بد أن تُحفظ، ولا يجوز تكميم الأفواه التي تدعو للخير والعدل. قال تبارك وتعالى:
"وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" (البقرة: 83)
رابط المصدر: القرآن الكريم - سورة البقرة 2:83

2. أن يدافع عن صوت الحق والعلماء المصلحين:

المسلم مطالب بنصرة العلماء والدعاة الذين ينقلون الحق ويصلحون بين الناس، كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده" (رواه مسلم)
رابط المصدر: صحيح مسلم - كتاب الأجر والثواب

3. أن يُحسن استخدام حريته بالدعوة والنصيحة والحكمة:

قال تبارك وتعالى:
"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" (النحل: 125) 
فالحرية الحقيقية في التعبير تكون مرفقة بالحكمة والرفق.

رابط المصدر: القرآن الكريم - سورة النحل 16:125

4. أن ينشر الوعي بين الناس بحقوقهم وشرع الله:

نشر الوعي واجب لتعزيز الفهم الصحيح للحقوق والواجبات في المجتمع. قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"بلغوا عني ولو آية" (رواه البخاري)
رابط المصدر: صحيح البخاري - كتاب التفسير


سادسًا: حرية التعبير ليست فوضى

الإسلام لا يسمح بحرية تؤدي إلى الإلحاد أو سب الدين، أو المس بالثوابت، أو إشاعة الفاحشة.
قال الله تبارك وتعالى:
"إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"
[النور: 19]


مصادر موثوقة للاستزادة:


🔺ختامًا: تبرّع لأهل غزة وكن سببًا في نجاتهم

نذكّرك أخي الكريم بأهمية نصرة أهلنا في غزة، فهم في أمسّ الحاجة للدعم، والتبرع لهم هو باب من أبواب الخير العظيم، وأجره عند الله عظيم.

قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" [رواه البخاري].

يمكنك التبرع عبر الروابط التالية الموثوقة:

رابط 1 – رابط 2 – رابط 3 – رابط 4

(اطلع على القائمة الكاملة هنا)



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خالد بن الوليد بن المغيرة من أعظم القادة العسكريين في التاريخ الإسلامي

خالد بن الوليد بن المغيرة هو أحد أعظم القادة العسكريين في تاريخ الإسلام

باينانس Binance و كيف تربح منها بدون رأس مال

نظرية العصبية لإبن خلدون: أسس وعوامل تطور الأمم

ما هي منصة باينانس (Binance)؟ دليلك الكامل للتسجيل والتداول بأمان

الأضحية في الإسلام: فضلها وأحكامها وأبرز الأخطاء الشائعة

خالد بن الوليد: نسبه ونشأته

دهاء وشجاعة أسد الصحراء عمر المختار

نجم الدين أيوب: السلطان المجاهد الذي مهد لتحرير بيت المقدس

وجوب الجهاد في الإسلام: مكانته وأثره في حياة المسلم