الحقوق السياسية في الإسلام: مبدأ الشورى ومسؤولية الأمة

مقدمة

الإسلام دين شامل، لم يغفل الحقوق السياسية للأفراد والمجتمعات، بل جعلها أساسًا للحكم الراشد. فالسياسة في الشريعة تقوم على العدل، الشورى، الأمانة، ومحاسبة المسؤولين. ومن الظلم العظيم أن تُقصى الأمة عن تقرير مصيرها باسم الدين، بينما الإسلام أعطاها حقًا أصيلاً في الشورى والمساءلة.


أولًا: مبدأ الشورى في الإسلام

قال الله تبارك وتعالى:
{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}
[الشورى: 38].

وهو أصل في إدارة الشأن العام، ويشمل:

حقوق الأمة في نظام الحكم الإسلامي

1. إبداء الرأي والمشورة:

للأمة حق أصيل في إبداء رأيها في قضايا الشأن العام، سواء عبر الشورى المباشرة أو من خلال ممثليها، وقد شجّع الإسلام على المشورة،

 قال الله تبارك وتعالى:
«وشاورهم في الأمر» [آل عمران: 159].

2. اختيار الحاكم ومن يعينه:

من حقوق الأمة أن تختار من يتولى أمرها من الحاكم أو المسؤولين، وذلك لضمان تولية الأكفأ والأعدل، وقد بايع الصحابة الخلفاء الراشدين بالرضا والاختيار.

3. مناقشة السياسات العامة:

للناس حق في مناقشة الأمور التي تمس حياتهم ومعاشهم، كقضايا الاقتصاد، والعدالة، والتعليم، وغيرها، ما دام ذلك يتم وفق الضوابط الشرعية وبأسلوب سلمي قائم على النصح والبناء لا الهدم والإثارة.

وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه رغم كمال عقله، كما في غزوة بدر وأُحد، تأكيدًا لحق الأمة في المشاركة.


ثانيًا: اختيار الحاكم ومبايعته

  • الإسلام لم يفرض حاكمًا معينًا بعد النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم، بل تُرك اختيار الحاكم للأمة.
  • الخلفاء الراشدون تمّت بيعتهم بالشورى.
  • قال عمر بن الخطاب:
    "من بايع رجلًا دون مشورة المسلمين فلا بيعة له."

ضوابط ذلك:

  • لا يُشترط نظام معين (انتخابات - شورى مصغرة)، بل العدل وتحقيق رضا الله تبارك وتعالى.
  • الحاكم يُحاسب ويُعزل إن خان أو ظلم، كما فعل الصحابة مع بعض الولاة.

ثالثًا: حرية التعبير في المجال السياسي

  • قال النبي محمد عليه الصلاة والسلام:
    "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" (أبو داود).
  • يحق للمسلم الإنكار العلني للمنكر السياسي، دون خروج مسلح أو فتنة.
  • قال عمر بن الخطاب على المنبر:
    "لو رأيتم فيّ اعوجاجًا، فقوموني."
    فقال أحد الصحابة: "لو رأينا فيك اعوجاجًا لقوّمناه بسيوفنا."
    فردّ عمر: "الحمد لله الذي جعل في أمتي من يقوّم عمر بسيفه."




رابعًا: الحقوق السياسية الأخرى في الإسلام

من أهم الحقوق التي كفلها الإسلام للمجتمع المسلم، سواء للحكام أو المحكومين:

حق الترشح للمناصب

الإسلام يجيز لكل من توفرت فيه صفات الأمانة والكفاءة أن يرشح نفسه للمناصب القيادية، دون تمييز أو احتكار. وقد قال الله تبارك وتعالى:
{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]، مما يدل على أن القوة (الكفاءة) والأمانة معيارا الأهلية، لا الحسب أو النسب أو الولاء.

حق المحاسبة والنقد

من حق الأمة أن تُحاسب حكامها إذا ظهر منهم ظلم أو خيانة. بل إن هذا يُعد من أفضل الجهاد، كما في الحديث الصحيح:
"أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" [رواه أبو داود – صحيح]، بشرط أن يتم ذلك بوسائل مشروعة، وبما لا يوقع الفتنة أو الفوضى.

حق العزل

الحاكم في الإسلام لا يُعتبر "مقدسًا"، بل يُعزل إذا ثبتت خيانته أو فساده، أو إن أخلّ بشروط الحكم. وقد أجمع العلماء على أن من لا يقيم شرع الله ويظلم الرعية لا يجوز له الاستمرار في الحكم.

العدل والمساواة

لا فرق في الإسلام بين الحاكم والمحكوم في الحقوق والواجبات، ولا يعلو أحد على القانون الإلهي. قال الله تبارك وتعالى:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وهذا يشمل جميع من في المجتمع، بما فيهم الحاكم.


خامسًا: مقارنة بالواقع في بعض الدول الإسلامية

عند تأمل نظام الحكم في الإسلام نجد فرقًا واضحًا بين المبادئ التي أرساها الخلفاء الراشدون، وبين ما يجري في كثير من الأنظمة المعاصرة.

في الإسلام، يتم اختيار الحاكم بالشورى أو برضا الناس، كما حصل مع الخلفاء الراشدين الذين بُويعوا بموافقة أهل الحل والعقد (مصدر).

أما في بعض الأنظمة الحالية، فإن التوريث والاستبداد أصبحا السمة الغالبة، وكأن الحكم إرث عائلي لا أمانة شرعية.

كذلك، أقر الإسلام حرية إنكار المنكر السياسي، بل جعلها من أفضل صور الجهاد، كما في قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر" (مصدر).
بينما تُجرَّم المعارضة السلمية في كثير من الدول، ويُعتقل من ينتقد الحاكم ولو بالكلمة.

ومن مظاهر العدل في الإسلام أيضًا محاسبة المسؤولين علنًا، كما كان يفعل الصحابة مع عمر بن الخطاب وغيره من الخلفاء، فيسألونه عن أمواله أو ثيابه دون خوف (مصدر).

أما في الواقع اليوم، تغيب الشفافية تمامًا، ويُسجن من يطالب بها أو ينشر وثائق تدين الفساد.

وفي الإسلام، إذا ظلم الحاكم وخان الأمانة، فإن عزله واجب عند توفر الشروط والقدرة، حفظًا للدين والحقوق (مصدر).

بينما نجد في بعض الأنظمة أن الحاكم يُطاع حتى لو خان وظلم، ويتم تسويغ ذلك بدعوى "درء الفتنة"، وهي حجة تُستعمل لإبقاء الظلم، لا لدرء الشر.



أمثلة من الواقع:

في العديد من الدول الإسلامية، نجد أن عشرات العلماء والمصلحين معتقلون فقط لأنهم طالبوا بالشورى وإنكار الظلم، وهو ما يخالف أمر الإسلام في إشاعة العدل ومحاسبة الحاكم (مصدر).
كما تُصادر حقوق الناس في التعبير، وتُغيّب المجالس المنتخبة التي تمثل رأي الأمة، رغم أن الإسلام يأمر بإشراك الأمة في القرار والمشورة، وهو ما كان واضحًا في عهد الخلفاء الراشدين (مصدر).


ضوابط شرعية للمطالبة بالحقوق السياسية:

أصول الإصلاح في الإسلام

1. السلمية وترك الفتنة:

الإسلام يرفض العنف والفوضى في الإصلاح، ويأمر بالرفق والسلم،

قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
«ما كان الرفق في شيء إلا زانه»، والفتنة مفسدة عظيمة نهى الله تبارك وتعالى عنها، فهي تفرق الأمة وتضعفها.

2. عدم التحزب للباطل:

يجب على المسلم أن ينأى بنفسه عن التحزّب للأشخاص أو الجماعات التي تبرر الظلم أو تنصر الباطل، بل يكون ولاؤه للحق والعدل فقط، دون تعصب أعمى.

3. مشاورة العلماء الثقات:

لا يصح الخوض في قضايا الأمة الكبرى دون الرجوع إلى العلماء الربانيين المخلصين، فهم أهل الفقه والبصيرة الذين يوجهون الناس بالحكمة إلى ما فيه الخير والصلاح.

4. وضوح النية في الإصلاح لا الفوضى:

النية أساس العمل، ويجب أن تكون خالصة لله عز وجل، تهدف للإصلاح الحقيقي لا لإثارة الفوضى أو تحقيق مكاسب حزبية أو شخصية، فالله تبارك وتعالى لا يقبل إلا ما كان خالصًا صوابًا.

5. البدء بإنكار المنكر بالحكمة والموعظة:

الإنكار يجب أن يكون بالأسلوب الذي أمر الله عز وجل به,

قال تبارك وتعالى:«ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» [النحل: 125]، فالكلمة الصادقة الهادئة أبلغ في التأثير من الصدام والخصام.


روابط موثوقة للمصادر:


🔺ختامًا: تبرّع لأهل غزة وكن سببًا في نجاتهم

نذكّرك أخي الكريم بأهمية نصرة أهلنا في غزة، فهم في أمسّ الحاجة للدعم، والتبرع لهم هو باب من أبواب الخير العظيم، وأجره عند الله عظيم.

قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" [رواه البخاري].

يمكنك التبرع عبر الروابط التالية الموثوقة:

رابط 1 – رابط 2 – رابط 3 – رابط 4

(اطلع على القائمة الكاملة هنا)



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خالد بن الوليد بن المغيرة من أعظم القادة العسكريين في التاريخ الإسلامي

خالد بن الوليد بن المغيرة هو أحد أعظم القادة العسكريين في تاريخ الإسلام

باينانس Binance و كيف تربح منها بدون رأس مال

نظرية العصبية لإبن خلدون: أسس وعوامل تطور الأمم

ما هي منصة باينانس (Binance)؟ دليلك الكامل للتسجيل والتداول بأمان

الأضحية في الإسلام: فضلها وأحكامها وأبرز الأخطاء الشائعة

خالد بن الوليد: نسبه ونشأته

دهاء وشجاعة أسد الصحراء عمر المختار

نجم الدين أيوب: السلطان المجاهد الذي مهد لتحرير بيت المقدس

وجوب الجهاد في الإسلام: مكانته وأثره في حياة المسلم