تطبيقات نظرية العصبية في الفكر السياسي المعاصر: دراسات حديثة وتوجهات جديدة
تطبيقات نظرية العصبية في الفكر السياسي المعاصر: دراسات حديثة وتوجهات جديدة
🧠 مقدمة
ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع ورائد فلسفة التاريخ، وتُعَد نظريته في العصبية من بين أبرز المفاتيح الفكرية لفهم نشوء الدول وأسباب انهيارها.
من خلال مقدمته الشهيرة، قدّم ابن خلدون تصورًا يرى أن العصبية تمثل القوة الاجتماعية المحركة للمجتمعات، سواء كانت هذه العصبية قبلية، أو دينية، أو إثنية، فهي أساس نشأة الحكم وبقاء الدولة أو زوالها.
في هذا المقال، سنستعرض تطبيقات هذه النظرية في الفكر السياسي المعاصر، ونتأمل كيف تُساهم في فهم التفاعلات السياسية والاجتماعية في العالم الحديث.
🌍 العولمة وتعدد الهويات
في ظل العولمة الحديثة، لم تعد المجتمعات متجانسة كما كانت في الماضي، بل أصبحت بوتقة تنصهر فيها الهويات والثقافات والعرقيات المختلفة.
هذا التعدد، رغم غناه الثقافي، يُعقّد فكرة "العصبية الموحدة" التي تحدث عنها ابن خلدون، حيث يصعب على الدول التي تحتوي على طوائف أو قوميات متعددة أن تُكوِّن ولاءً جمعيًا واحدًا.
ومع تزايد النفوذ الإعلامي والثقافي العالمي، أصبح الانتماء للعصبية التقليدية (كالقبيلة أو القومية) أضعف، لصالح هويات فرعية (دينية أو عرقية) أو حتى هويات "عابرة للحدود" مثل الانتماء للأمم الافتراضية أو المجموعات العالمية.
🧩 هذا التفتت في الانتماء قد يؤدي إلى صراعات داخلية ويُضعف وحدة الدولة، مما يجعلها أكثر عرضة للانهيار أو التدخل الخارجي.
📚 مصدر يدعم الفقرة – Brookings Institution
🔗 ما المقصود بـ "العصبية الموحدة"؟
تُشير العصبية الموحدة إلى ذلك النوع من التماسك الاجتماعي الذي يتجاوز الانقسامات الضيقة—كالطائفية أو القبلية أو العرقية—لصالح هوية جماعية شاملة تجمع مختلف فئات المجتمع تحت مظلة وطنية أو دينية أو ثقافية واحدة.
🧩 في سياق الدول الحديثة، تعني العصبية الموحدة أن:
- يندمج المواطنون من خلفيات متباينة في مشروع وطني مشترك.
- تُذوّب الخلافات داخل عاطفة جامعة، تُعزز الانتماء والمشاركة السياسية.
- تتحول العصبيات الجزئية إلى ولاء أعلى للدولة أو الأمة، وهو ما يسهم في الاستقرار السياسي.
⚠️ أما في حال غياب العصبية الموحدة، فإن المجتمعات تصبح عرضة للتفكك الداخلي، والنزاعات الهوياتية، كما يحدث في الدول التي تُقسّمها العصبيات الطائفية أو العرقية أو الإقليمية.
✅ ولذلك، تسعى الدول الناجحة إلى إعادة تشكيل العصبية بطريقة تُوَحِّد الجميع خلف قيم مشتركة مثل:
العدالة – المواطنة – الحرية – الدين – التاريخ المشترك.
🧭 العصبية في الفكر السياسي المعاصر
تُعدّ نظرية العصبية عند ابن خلدون إطارًا فكريًا قويًا لفهم الدول الحديثة، خاصة في ظل التحديات السياسية والاجتماعية الراهنة. فالعصبية، في سياق الفكر السياسي المعاصر، تلعب دورًا حاسمًا في بناء الهوية الجماعية وضمان الاستقرار السياسي، في حين أن ضعفها قد يؤدي إلى تفكك المجتمعات وانهيار الدول.
🔹 1. العصبية والهوية الجماعية
في عالمنا اليوم، تُشكّل الهوية الجماعية أحد مفاتيح الاستقرار السياسي. وتُعبّر العصبية هنا عن الروابط التي تجمع الأفراد ضمن مجموعة موحّدة، سواء كانت دينية، قومية، أو قبلية.
📌 على سبيل المثال:
- في دول مثل العراق وسوريا، أدّت العصبيات الدينية والمذهبية إلى توترات هددت وحدة الدولة.
- في المقابل، في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن العصبية تتجسد في الهوية الوطنية القائمة على القيم الديمقراطية، ورغم ذلك فإن التوترات العرقية قد تُهدد هذا التماسك في حال ضعف العصبية الوطنية.
🔹 2. العصبية في الصراعات السياسية والحروب
تلعب العصبية دورًا خطيرًا في إشعال الصراعات السياسية والحروب الأهلية، خاصة في الدول ذات الانقسامات العرقية أو الطائفية.
📌 أمثلة بارزة:
- في العالم العربي، تُسهم العصبيات الطائفية والقبلية في تجزئة المشهد السياسي وتعطيل الحلول السلمية.
- في بعض الدول الإفريقية، تتفاقم الصراعات نتيجة العصبية القبلية، إذ يغذّيها الفقر والتمييز الاجتماعي، فتُضعف الهوية الوطنية الجامعة.
🔹 3. العصبية في صعود الجماعات الشعبية
في سياق التحولات السياسية الكبرى، خاصة في الأنظمة السلطوية، تُصبح العصبية أحد المحركات الأساسية لصعود الجماعات الشعبية.
📌 كما رأينا في:
- الربيع العربي، حيث اتحدت فئات كالشباب والطبقات الكادحة في عصبية طبقية أو دينية ضد النخب الحاكمة.
- غير أن ضعف التوافق الأيديولوجي قد يؤدي لاحقًا إلى انقسام هذه الحركات، مما يهدد استمراريتها.
🔹 4. العصبية في توازن القوى داخل الأنظمة الديمقراطية
حتى في الديمقراطيات الحديثة، تأخذ العصبية شكل تحالفات سياسية بين الكتل والأحزاب المتفقة على أهداف ومبادئ مشتركة.
📌 مثال واقعي:
- في الولايات المتحدة، تمثّل العصبية السياسية بين الحزبين الكبيرين نوعًا من التوازن، لكنه يصبح مهددًا حين تبدأ الانقسامات الداخلية بالتصاعد، مما يؤدي إلى الشلل السياسي وتآكل الثقة بالمؤسسات.
🧠 تحديات تطبيق نظرية العصبية في السياسة المعاصرة
رغم ما توفره نظرية العصبية من أدوات تحليلية لفهم صعود الدول وسقوطها، فإن إسقاطها على الواقع السياسي الحديث لا يخلو من عقبات معقدة نابعة من العولمة، والتغيرات السياسية، والتقدم التكنولوجي.
🔹 1. العولمة وتعدد الهويات
في عصر العولمة والتداخل الثقافي، أصبحت المجتمعات أكثر تنوعًا من أي وقت مضى، مما جعل بناء عصبية موحدة أمرًا بالغ الصعوبة.
فالدول التي تضم طوائف وعرقيات متعددة تواجه انقسامات في الولاء والانتماء، وقد تتآكل العصبية التقليدية لصالح هويات فرعية أو حتى عابرة للحدود.
📌 مثال: التحديات العرقية في لبنان، أو النزاعات القومية في إثيوبيا.
📚 المصدر:
"Globalization and Identity in the Arab World", Brookings Institution
🔗 رابط المصدر
🔹 2. النظام الدولي الجديد وصراع القوى
النظام العالمي الحديث يشهد عودة التنافس بين القوى الكبرى، مثل أمريكا والصين وروسيا، مما يُضعف قدرة الدول الصغيرة والهشة على الحفاظ على وحدتها.
فعندما تفتقر الدول إلى عصبية داخلية موحّدة، يسهل اختراقها سياسيًا أو تقسيمها عرقيًا عبر دعم خارجي لطرف دون آخر.
📌 مثال: الأزمة الليبية والنفوذ الخارجي فيها، أو الحرب الأهلية في سوريا.
📚 المصدر:
"Global Power Competition and Fragile States", United States Institute of Peace
🔗 رابط المصدر
🔹 3. التكنولوجيات الحديثة والإعلام
وسائل الإعلام الحديثة – خاصة الإنترنت ومواقع التواصل – أحدثت تحولًا جذريًا في بنية العصبية.
فهي قادرة على خلق عصبيات جديدة (مثل الحركات القومية أو الدينية)، لكنها كذلك تساهم في تفكيك العصبيات القديمة، وتشجيع النزعات الفردية والانفصال عن الجماعة.
📌 مثال: استخدام وسائل التواصل في تعبئة الشباب خلال "الربيع العربي".
📚 المصدر:
"The Role of Social Media in Political Mobilization", University of Washington
🔗 رابط المصدر
✅ الخلاصة
رؤية ابن خلدون عن العصبية كعامل جوهري في بناء الدولة لا تزال صالحة لفهم كثير من الظواهر السياسية.
لكن التحديات المعاصرة، مثل تفتت الهوية، والتدخلات الدولية، وسرعة التغيرات التكنولوجية، تستوجب تطوير النظرية لتناسب بيئة سياسية معولمة ومفتوحة ومعقدة.
📚 للمزيد عن نظرية العصبية عند ابن خلدون:
"Muqaddimah of Ibn Khaldun", ترجمة فرانز روزنتال
🔗 رابط النص المترجم
🏁 خاتمة
تظل نظرية العصبية عند ابن خلدون حجر أساس لفهم بنية الدول والمجتمعات، ليس فقط في التاريخ، بل أيضًا في واقعنا السياسي المعاصر.
لقد اتضح أن العصبية ليست مجرد مفهوم اجتماعي قديم، بل هي قوة سياسية فعّالة تُسهم في بناء الاستقرار أو تفكك الكيانات، بحسب قوتها أو ضعفها.
إن العصبية القوية تُعزز الهوية الجماعية، وتخلق مناخًا من التعاون والتماسك، بينما يؤدي غيابها إلى الانقسام، والاضطراب، والانهيار السياسي.
🔑 ولهذا، فإن من الضروري أن تولي الدول المعاصرة اهتمامًا حقيقيًا بـ:
- تعزيز الهوية الوطنية
- بناء الروابط الاجتماعية الجامعة
- الابتعاد عن الفساد والانقسامات
- دعم العدالة والتعددية المتوازنة
فقط بذلك يمكن ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتحقيق مستقبل مزدهر وآمن.
ختامًا: تبرّع لأهل غزة وكن سببًا في نجاتهم
نذكّرك أخي الكريم بأهمية نصرة أهلنا في غزة، فهم في أمسّ الحاجة للدعم، والتبرع لهم هو باب من أبواب الخير العظيم، وأجره عند الله عظيم.
قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" [رواه البخاري].
يمكنك التبرع عبر الروابط التالية الموثوقة:
رابط 1 – رابط 2 – رابط 3 – رابط 4
(اطلع على القائمة الكاملة هنا)
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك و أي استفسارات لتعم الفائدة