إعانة الظالم بحجة العمل من أجل العيش الكريم: نظرة شرعية

إعانة الظالم بحجة العمل من أجل العيش الكريم: نظرة شرعية


مقدمة:

حكم إعانة الظالم بحجة السعي للعيش الكريم، مع الاستدلال بالقرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، وشرح ميسر يساعد القارئ على الفهم والتطبيق.

إعانة الظالم، العيش الكريم، حكم إعانة الظالمين، الظلم في الإسلام، القرآن الكريم، السنة النبوية، حديث عن الظلم.


كثير من الناس يظنون أن العمل تحت راية ظالم أو الإعانة على الظلم مبررٌ إذا كان الغرض هو كسب الرزق أو العيش الكريم. ولكن الشرع الشريف له حكم واضح في هذه المسألة، قائم على نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، لا مجال فيه للتساهل.

تحذير القرآن الكريم من الإعانة على الظلم:

قال الله تعالى:

﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾
[هود: 113]

الشرح:

الركون إلى الظالمين يشمل الميل إليهم أو معاونتهم أو الدفاع عنهم. فالله عز وجل حذر من الميل إليهم بأي شكل، لأنه يقود إلى عذاب النار.

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الظلم وإعانته:

قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

"انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"
قالوا: يا رسول الله، ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟
قال: "تأخذ فوق يديه"
[رواه البخاري (2444)]

الشرح:

نصرة الظالم لا تعني دعمه أو معاونته، بل تعني منعه من الظلم، وردعه عنه. فمن عمل معه وأعانه، كان شريكًا له في الجرم.

عاقبة الإعانة على الظلم:

قال الله تبارك وتعالى:
﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾
[المائدة: 2]

الشرح:

التعاون مع الظالم على بطشه إثم عظيم وعدوان ظاهر، حتى لو كانت النية العيش الكريم، فليس هناك طاعة لمخلوق في معصية الخالق.


هل الحاجة تبرر الإعانة على الظلم؟

لا.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
"إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب."
[رواه ابن ماجه (2144)، وصححه الألباني]

الشرح:

رزقك مكفول عند الله عز وجل. فلا داعي لأن تبيع دينك أو تساند ظالماً خوفًا على رزقٍ قد كتبه الله لك.

الرد على شبهات الظالمين في الواقع الحالي

في زمن كثر فيه التزييف، أصبح بعض الظالمين يتسترون وراء شعارات براقة، مثل "حرية التعبير"، أو "حفظ الأمن"، أو "مصلحة الدولة"، لتبرير الظلم والاستبداد، وقمع المصلحين والدعاة، ومصادرة الحقوق. وهذه شبهات مردودة شرعًا وعقلًا، ومن أبرزها:


1. شبهة: "نحن نحمي الدولة من الفوضى"

الحقيقة:
حماية الدولة لا تعني سحق الحريات ولا اعتقال الأبرياء، بل تعني إقامة العدل، ومحاسبة المفسدين الحقيقيين.
قال الله تبارك وتعالى:

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]
والفوضى الحقيقية هي في غياب العدالة.


2. شبهة: "لا تتكلموا في السياسة، هذا يفرق الناس"

الحقيقة:
الدين لا يفصل عن واقع الأمة، والنصيحة للحاكم جزء من الدين، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

"الدين النصيحة... لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" (رواه مسلم).
فلا يجوز إسكات المصلحين بحجة الحفاظ على "الوحدة"، بينما يُمارس الظلم باسمها.


3. شبهة: "هذا وقت طاعة ولي الأمر، لا وقت إنكار"

الحقيقة:
طاعة ولي الأمر مشروطة بعدم معصية الله، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (رواه أحمد).
والساكت عن الحق شيطان أخرس، فكيف بمن يبرر الظلم ويُهاجم الناصحين؟!


خلاصة مهمة:

الظالمون اليوم يعيدون تدوير شبهات فرعون وقومه:

{إِنْ نُرِيدُ إِلَّا إِصْلَاحًا} [القصص: 19]،
{مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} [غافر: 29].

لكن الحقيقة يفضحها نور القرآن والسنة، وصوت المظلومين، والتاريخ الذي لا يرحم أحدًا.


أمثلة من الواقع العربي المعاصر على شبهات الظالمين

  1. شبهة الأمن والاستقرار فوق كل شيء:
    تكرر كثير من الأنظمة في بعض الدول العربية شعار "الأمن والاستقرار"، كذريعة لقمع الحريات والاحتجاجات السلمية، واعتقال المعارضين.
    لكن الواقع يظهر أن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق إلا بالعدل والإنصاف، وغياب الظلم هو أساس السلام.
    قال الله تبارك وتعالى:

{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58].

  1. شبهة "التدخل الأجنبي هو سبب كل مصائبنا":
    يحاول الظالمون إلصاق فشلهم الداخلي بالمؤامرات الخارجية فقط، لتبرير تفاقم الفساد والظلم.
    والحقيقة أن الظلم الداخلي والفساد أضعف الأمة، وجعلها عرضة للمؤامرات، فبدل إصلاح ذات البين يُلصق اللوم بالآخرين.
    قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:

"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" (متفق عليه)، أي يجب أن نصلح أنفسنا أولاً.

  1. شبهة "لا تتدخل في السياسة، نحن ندير الأمر":
    يُمنع الناصحون والمصلحون من التعبير عن رأيهم بحجة "عدم التدخل في السياسة"، لكن الإسلام يحث على النصح والحرص على مصلحة الأمة.
    قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:

"بلغوا عني ولو آية" (رواه البخاري).
والصمت على الظلم سبب في انتشار الفساد.


خلاصة

الأمة تحتاج إلى شجاعة المصلحين والوعي المجتمعي لمواجهة هذه الشبهات، وعدم السكوت عنها، لأن الله أمر بالعدل والنصح والإنصاف في كل زمان ومكان.


خاتمة:

العيش الكريم لا يتحقق بمعصية الله ولا بمساندة الظالمين. العبد المؤمن يسعى للرزق بالحلال، متوكلًا على الله، غير معتمدٍ على ظلم أو جور، ملتزمًا بقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة."
[رواه مسلم (2578)]

روابط المصادر الموثوقة:


ختامًا: تبرّع لأهل غزة وكن سببًا في نجاتهم

نذكّرك أخي الكريم بأهمية نصرة أهلنا في غزة، فهم في أمسّ الحاجة للدعم، والتبرع لهم هو باب من أبواب الخير العظيم، وأجره عند الله عظيم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" [رواه البخاري].

يمكنك التبرع عبر الروابط التالية الموثوقة:

رابط 1 – رابط 2 – رابط 3 – رابط 4

(اطلع على القائمة الكاملة هنا)



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خالد بن الوليد بن المغيرة من أعظم القادة العسكريين في التاريخ الإسلامي

خالد بن الوليد بن المغيرة هو أحد أعظم القادة العسكريين في تاريخ الإسلام

باينانس Binance و كيف تربح منها بدون رأس مال

نظرية العصبية لإبن خلدون: أسس وعوامل تطور الأمم

ما هي منصة باينانس (Binance)؟ دليلك الكامل للتسجيل والتداول بأمان

الأضحية في الإسلام: فضلها وأحكامها وأبرز الأخطاء الشائعة

خالد بن الوليد: نسبه ونشأته

دهاء وشجاعة أسد الصحراء عمر المختار

نجم الدين أيوب: السلطان المجاهد الذي مهد لتحرير بيت المقدس

وجوب الجهاد في الإسلام: مكانته وأثره في حياة المسلم