الترغيب والترهيب: أسلوب التربية الربانية الشاملة
الترغيب والترهيب في الإسلام: أسلوب التربية الربانية الشاملة
✅ المقدمة:
في دين الله عز وجل، لم يُترك الإنسان في فراغٍ تربوي، بل أحاطه الوحي الإلهي بتوجيهاتٍ متكاملة تجمع بين "الترغيب" في الطاعة والجزاء، و"الترهيب" من المعصية والعقاب.
هذان الأسلوبان يُعدّان من أنجح وسائل تهذيب النفس، وصناعة الشخصية المؤمنة المتوازنة، المليئة بالخوف من الله، والمشحونة بالرجاء في رحمته.
فهرس:
- 🔷 أولًا: معنى الترغيب والترهيب
- ✅ ما هو الترغيب؟
- ⚠️ ما هو الترهيب؟
- 📖 آية عظيمة تجمع بين المعنيين
- 🔷 ثانيًا: أهمية الترغيب والترهيب في الإسلام
- ✅ 1. تحقيق التوازن النفسي
- ✅ 2. زرع الدافع الداخلي للطاعة
- ✅ 3. كبح الشهوات
- ✅ 4. تقوية الصلة بالله تعالى
- 🔷 ثالثًا: أمثلة من القرآن على الترغيب
- 🔹 الترغيب في الصدقة
- 🔹 الترغيب في الصلاة والعمل الصالح
- 🔹 الترغيب في الجنة
- 🔷 رابعًا: أمثلة من القرآن على الترهيب
- 🔺 الترهيب من الغيبة
- 🔺 الترهيب من النفاق
- 🔺 الترهيب من العقاب
- ❖ خامسًا: الترغيب والترهيب في الكلام
- ❖سادسًا: منهج السلف الصالح في ذلك
- ❖ سابعًا: لماذا لا يُكتفى بالترغيب فقط؟
🔷 أولًا: معنى الترغيب والترهيب:
الترغيب والترهيب أسلوبان تربويان أصيلان في الإسلام، يجتمعان لتقويم النفس البشرية وتحفيزها على السعي إلى رضا الله تعالى.
✅ ما هو الترغيب؟
الترغيب هو تحبيب النفس في فعل الطاعات من خلال ذكر الثواب العظيم، والجنة، والمغفرة، وما أعده الله تعالى للمؤمنين من النعيم المقيم.
🔹 مثال: من يصلي، يُرغّب بثواب الصلاة وغفران الذنوب ودخول الجنة.
⚠️ ما هو الترهيب؟
الترهيب هو تحذير النفس من ارتكاب المعاصي عبر تذكيرها بعقاب الله، والنار، والعذاب الشديد الذي أعده الله للعاصين والمتكبرين.
🔸 مثال: من يغتاب أو يكذب، يُرهّب بعاقبة هذه الأفعال، كالنار، أو الطرد من رحمة الله، أو الخزي يوم القيامة.
📖 آية عظيمة تجمع بين المعنيين:
قال الله تعالى:
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ • وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾
[الحجر: 49-50]
🔗 رابط الآية على موقع القرآن الكريم
🔹 هذه الآية الكريمة مثال حي على التوازن الرباني: الرحمة مقرونة بالعقاب، فمن تعلق برحمة الله دون خوف، فقد أمن مكر الله، ومن خاف فقط دون رجاء، فقد ييأس من روحه، وكلا الطرفين على خطر.
🔷 ثانيًا: أهمية الترغيب والترهيب في الإسلام:
الإسلام دين تربية وهداية، وقد استخدم أسلوب الترغيب والترهيب لتحقيق التوازن في نفس الإنسان، فجمع بين الوعد والوعيد، الرحمة والعدل، مما يربّي القلب ويضبط السلوك، وفيما يلي أبرز معاني هذا التوازن:
✅ 1. تحقيق التوازن النفسي
المؤمن لا يعيش في وهم الأمان فقط، ولا في قلق الخوف الدائم. بل يسير إلى الله بجناحين متكاملين: الخوف والرجاء، كما قال بعض السلف:
"الرجاء يُحيي القلب، والخوف يُؤدبه".
وهذا التوازن يمنح الإنسان استقرارًا داخليًا وسكينة روحية تُعينه على الثبات.
✅ 2. زرع الدافع الداخلي للطاعة
عندما يعلم المسلم أن الصلاة تغفر الذنوب، كما في قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّرات لما بينهن إذا اجتُنب الكبائر"
[رواه مسلم]
ويعلم أيضًا أن ترك الصلاة من أعظم الذنوب، كما في قول الله تعالى:
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾
[مريم: 59 – رابط الآية]
فإن ذلك يُحرّك فيه دافعًا ذاتيًا للالتزام، لا يعتمد فقط على رقابة الناس، بل على رقابة الضمير.
✅ 3. كبح الشهوات
النفس بطبيعتها أمّارة بالسوء، تميل للراحة واللذة، ولكن عندما تواجه بآيات العذاب، وأحاديث النار، فإنها تتوقف وتفكر.
والترهيب هنا وسيلة ردع تربوية، بينما يُعينها الترغيب على الصعود إلى مراتب الإحسان.
📖 قال الله تبارك وتعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴾
[النازعات: 40–41 – رابط الآيتين]
✅ 4. تقوية الصلة بالله تعالى
حين يرجو العبد الجنة ويخاف النار، يكثر من الذكر، ويُسرع إلى التوبة، ويخلص في عبادته.
فالخوف يجعله يبتعد عن المعصية، والرجاء يجعله يُقبل على الطاعة، وكلما زادت معرفته بالله، ازداد خشيته وحبّه له.
🔸 قال ابن القيم رحمه الله:
"القلب في سيره إلى الله كالطائر، فالحب رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سَلِم الرأس والجناحان سَلِم الطائر، ومتى قُطِع الرأس مات، ومتى فُقِد الجناحان فهو عُرضة لكل صائد".
🔷 ثالثًا: أمثلة من القرآن على الترغيب:
القرآن الكريم هو مصدر الهداية الأعظم، وقد اشتمل على أساليب متنوعة في تربية النفس، ومن أبرزها الترغيب، حيث يُحفز العبد على الطاعة ويُبشره بعظيم الأجر، مما يزرع في قلبه حب الله والعمل الصالح.
🔹 الترغيب في الصدقة
📖 قال الله تعالى:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
[البقرة: 261]
📎 رابط الآية المباشر
🟦 الشرح:
يشبّه الله سبحانه من يُنفق أمواله في سبيله كمن زرع حبّة، فأنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مئة حبّة، أي أن الحسنة الواحدة تُضاعف سبعمئة مرة! وهذا تشجيع عظيم للمسلمين على الصدقة، وبيان لكرم الله جل وعلا.
🔹 الترغيب في الصلاة والعمل الصالح
📖 قال الله تعالى:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۗ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾
[هود: 114]
📎 رابط الآية المباشر
🟦 الشرح:
أمر الله نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم بإقامة الصلاة في أوقاتها، وأخبر أن الحسنات، ومنها الصلاة، تُزيل الذنوب الماضية، وهذا فيه دافع قوي للمؤمن أن يُكثر من الأعمال الصالحة؛ لأنها تطهّره من خطاياه، وتُقرّبه من الله.
🔹 الترغيب في الجنة
📖 قال الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾
[الكهف: 107–108]
📎 رابط الآيتين المباشر
🟦 الشرح:
يبشّر الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن جزاءهم جنات الفردوس، وهي أعلى الجنان، يكونون فيها ضيوفًا مُكرّمين خالدين، لا يتمنون التحوّل عنها ولا يرون نعيمًا أفضل منها، وهذا الترغيب يزرع الشوق للآخرة في القلوب.
🟩 خلاصة تربوية:
الترغيب وسيلة قوية في التربية القرآنية؛ يُحيي النفوس ويشحذ الهمم، ويُذكّرنا بأن الله كريم، يحب التوابين، ويجزي الطائعين أعظم الجزاء، فعلينا أن نستحضر هذه المعاني عند كل طاعة، ونتقرب إليه رجاءً في رحمته.
🔷 رابعًا: أمثلة من القرآن على الترهيب:
جاء القرآن الكريم بأسلوب متوازن يجمع بين الترغيب والترهيب، ليوقظ القلوب ويهذب النفوس، ومن أعظم صور الترهيب ما ورد في حق بعض المعاصي التي تُعرض صاحبها لغضب الله وعذابه، ومنها:
🔺 الترهيب من ترك الصلاة:
قال الله تبارك وتعالى:
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾
[مريم: 59-60]
في هذا التحذير الشديد، وعيد لمن ضيّعوا أعظم أركان الإسلام، وهو الصلاة، وتبعوا أهواءهم وشهواتهم، فجاء الجزاء "غيًّا"، وهو وادٍ في جهنم شديد العذاب، لكن الله فتح باب التوبة لمن تاب وآمن وعمل صالحًا.
🔺 الترهيب من الغيبة:
قال الله سبحانه وتعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾
[الحجرات: 12]
شبه الله المغتاب بمن يأكل لحم أخيه الميت، في تصوير مرعب وشديد الإيذاء، يدل على قبح هذا الذنب وشدة تحريمه، ثم ختم بالرحمة وفتح باب التوبة.
🔺 الترهيب من النفاق:
قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾
[النساء: 145-146]
أشد مراتب النار وطبقاتها خُصصت للمنافقين، لأنهم جمعوا بين الكذب والخداع والتلون، فاستحقوا أشد أنواع العذاب، ومع ذلك لم يُغلق الباب أمام التائبين المخلصين.
🔺 الترهيب من العقاب:
الترهيب أسلوب شرعي يذكّر العبد بعظمة الله تعالى وشدة عذابه لمن عصاه. فكما أن النفوس تميل إلى الطاعة طمعًا في الثواب، فهي تبتعد عن المعاصي خوفًا من العقوبة.وقد امتلأ القرآن والسنة بالتحذيرات من عذاب القبر، وهول القيامة، والنار التي وقودها الناس والحجارة.
وليس الغرض من الترهيب بثّ اليأس، بل هو وسيلة لحماية القلب من الغفلة، ولردعه عن طريق الهلاك. فالله تعالى لا يعذّب إلا من استحق، وقد قال الله جل في علاه:
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾
[سورة الحجر: 49-50]
فمن جمع بين الخوف والرجاء سَلِم، ومن غفل عن أحدهما ضلّ الطريق.
📌 خلاصة:
القرآن يُخاطب الفطرة بأسلوب يُرهب النفس من عواقب المعاصي، حتى ترتدع وتعود إلى طاعة الله، فافهم رسائل القرآن، واجعلها زادًا لقلبك في زمن كثرت فيه الغفلة.
❖ خامسًا: من السنة النبوية – الترغيب والترهيب في الكلام
من هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه بيّن عِظم أثر اللسان في حياة الإنسان ومصيره، فجاءت الأحاديث تحث على ضبطه، وتبين خطورته إن أُهمل.
🔹 الترغيب:
قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت."
[رواه البخاري ومسلم]
في هذا الحديث توجيه نبوي راقٍ يدعو المؤمن إلى انتقاء كلامه، فإن لم يكن في كلامه خير فالصمت أولى، وهذا من كمال الإيمان وحسن الأدب.
🔸 الترهيب:
وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
"وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم – أو قال: على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم؟"
[رواه الترمذي وصححه الألباني]
تحذير شديد من أن أكثر ما يورد الناس النار هو ما يصدر عن ألسنتهم من كلام محرم، كالغيبة، والنميمة، والكذب، والسخرية.
⚖️ خلاصة:
في هذين الحديثين يظهر لنا التوازن النبوي بين الترغيب في ضبط اللسان، والترهيب من التهاون فيه، مما يعلّمنا أن المسلم الحقيقي هو من يُراقب كلامه كما يُراقب صلاته، فإن الكلمة قد ترفعه إلى الجنة أو تهوي به إلى النار.
❖ سادسًا: منهج السلف الصالح في ذلك
-
يقول ابن القيم رحمه الله:
"القلب في سيره إلى الله كطائر، رأسه المحبة، وجناحاه الخوف والرجاء، فمتى سلم الرأس والجناحان؛ فالطائر جيد الطيران."
[مدارج السالكين] -
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:
"لو نادى منادٍ يوم القيامة أن كل الناس في الجنة إلا واحد، لظننت أنني أنا، ولو نادى أن كل الناس في النار إلا واحد، لرجوت أن أكون أنا ذلك الواحد."
↩️ توازن عجيب بين الخوف والرجاء... وهذا هو جوهر الدين.
❖ سابعًا: لماذا لا يُكتفى بالترغيب فقط؟
إن تربية النفس على الرجاء وحده دون خوف، يجعل الإنسان يتهاون بالمعاصي، ويطمئن إلى عفو الله تعالى حتى يقع في الكبائر ويؤجل التوبة، معتقدًا أن المغفرة مضمونة مهما أخطأ، وهذا من مكر النفس والشيطان.
وفي المقابل، فإن تربية النفس على الخوف وحده دون رجاء، يؤدي إلى القنوط واليأس من رحمة الله، وقد يُفضي بصاحبه إلى الهلاك أو الكفر، ظنًا منه أن ذنوبه لا تُغفر.
لذلك، جاءت شريعة الإسلام متوازنة، تجمع بين الترغيب والترهيب، وبين الخوف والرجاء، ليبقى المسلم عاملًا بجدّ، خائفًا من العقاب، وطامعًا في الثواب. وقد قال العلماء في ذلك قولًا جامعًا:
"من عبد الله بالرجاء فقط فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف فقط فهو حروري، ومن عبده بهما فهو مؤمن."
فالمؤمن الصادق هو من يسير إلى الله بجناحي الخوف والرجاء، لا يطغى أحدهما على الآخر، ليكون سيره مستقيمًا نحو مرضاة الله تعالى.
🔷 ثامنًا: الترهيب والترغيب في سفك الدماء في الجهاد
في شريعة الإسلام، الجهاد في سبيل الله تشريع عظيم، لكنه مقيَّد بضوابط صارمة تحفظ الدماء وتحكم النية والغاية. فالأصل في الجهاد أنه لرد العدوان، ونصرة المستضعفين، وإعلاء كلمة الله، وليس للعنف أو التعدي أو سفك الدماء بلا ضوابط.
● الترهيب من سفك الدماء بغير حق حتى في الجهاد:
قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
"من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا" – رواه البخاري.
وفي غزوة خيبر، لما قتل أحد الصحابة رجلاً مشركًا بعد أن قال "لا إله إلا الله"، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم منكرًا بشدة:
"أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟!"
قال: يا رسول الله، إنما قالها خوفًا من السيف.
قال: "أفلا شققت عن قلبه؟!" – رواه مسلم.
فهذه الأحاديث تدل على تحريم العدوان حتى على أعداء الإسلام إذا أظهروا الإسلام أو دخلوا في عهد أو أمان.
● الترغيب في الجهاد المشروع والانضباط بضوابطه:
في المقابل، جاء الترغيب في الجهاد المشروع، الذي يُقام تحت راية إمام أو جماعة شرعية، بهدف صدّ العدوان ونصرة المظلوم، قال الله تبارك وتعالى:
﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان﴾ [النساء: 75].
وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله" – رواه البخاري ومسلم.
والتاريخ الإسلامي حافل بالمواقف التي كان فيها الجهاد منضبطًا بأخلاق عظيمة، فقد نهى النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، ونهى عن التمثيل بالجثث، وعن قطع الشجر، وقال:
"اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، ولا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تُمثّلوا، ولا تقتلوا وليدًا" – رواه مسلم.
الإسلام لم يجعل الجهاد ميدانًا للدماء المفتوحة، بل جعله عبادة عظيمة لا تصح إلا بضوابط نبوية واضحة، فيها الرحمة والعدل، فدماء البشر معصومة، ولا تستباح إلا بالحق ووفق شروط دقيقة. ومن تجاوزها، فإنما يبوء بإثم عظيم.
✨ الخاتمة:
الترغيب والترهيب في الإسلام ليسا تخويفًا أعمى ولا وعودًا فارغة، بل هما أسلوب رباني حكيم، يُخاطب فطرة الإنسان، ويوقظ قلبه، ويضبط سلوكه، ليكون على الصراط المستقيم.
فبهما تتحرك النفس بين خوف من غضب الله ورجاء في رحمته، فتستقيم وتثبت على الطاعة، وتبتعد عن المعصية.
📖 قال الله تبارك وتعالى:
﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾
[السجدة: 16]
🔗 رابط الآية على موقع القرآن الكريم
🔗 روابط المصادر:
- القرآن الكريم - quran.ksu.edu.sa
- صحيح البخاري ومسلم - sunnah.com
- مدارج السالكين لابن القيم - تحقيق دار ابن الجوزي
- تفسير ابن كثير - altafsir.com
🔑 الكلمات المفتاحية:
الترغيب في الإسلام — الترهيب من المعاصي — تربية النفس — الرجاء والخوف — التوازن الإيمان — التربية الإيمانية — القرآن الكريم — السنة النبوية — أقوال السلف — منهج الإسلام في التربية.
🟩 ختامًا: تبرّع لأهل غزة وكن سببًا في نجاتهم
قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" [رواه البخاري].
يمكنك التبرع عبر الروابط التالية الموثوقة:
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك و أي استفسارات لتعم الفائدة